رسالة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند - 2012-05-15 - القدس العربي

Publié le par liberonsgeorges-ar

      alquds

رسالة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند 
محمد الشحري
2012-05-15

بداية أود أن أبارك لكم يا سيادة الرئيس فوزكم بالانتخابات الرئاسية وتنصيبكم رئيسا للجمهورية الفرنسية التي قدمت للعالم معاني الحرية وفصول النضال ضد الاستبداد والديكتاتوريات، ولا نخفيكم يا سيادة الرئيس فرحتنا وبهجتنا بوصولكم إلى سدة الحكم ، آملين أن تنسونا ذلك العهد التعيس الذي تركه لنا سلفكم ساركوزي، الذي ربط فرنسا ومكانتها وتاريخها وثقافتها بأذيال الولايات المتحدة، وكأن فرنسا لم تهد شعلة الحرية إلى أمريكا، وكأن فرنسا قطعة لا تعني شيئا في السياسة الدولية إلا إذا أصبحت تحت أوامر البيت الأبيض.
سيادة الرئيس فرانسوا هولاند أكتب لكم باعتباري إنسانا أولا ومواطنا عربيا ثانيا، ينحدر معكم من سلالة إنسانية واحدة، أكتب لكم يا سيادة الرئيس دون أي انتماء ديني أو عرقي أو إيديولوجي، فالقيم الإنسانية التي تجمعنا هي فوق كل دين وأسمى من أي انتماء.
سيادة الرئيس أكتب لكم هذه الرسالة طالبا منكم الإفراج عن الإنسان جورج إبراهيم عبد الله المسجون في فرنسا منذ 28عاما، على الرغم من انقضاء مدة محكومتيه، وقد أحزنني أن يكون هناك سجين مظلوم في بلادكم التي شهدت الثورة الفرنسية والتي حملت التنوير إلى بقية أوروبا، يحزنني أن بلد فيكتور هوغو وفولتير وجان جاك روسو ورولان بارت تسجن إنسانا دون أي تهمة واضحة وتصر على بقائه في المعتقل التعسفي دون أي مبرر، سيادة الرئيس ماذا فعل جورج إبراهيم عبد الله سوى أنه حاول القيام بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لبلده في جنوب لبنان؟ وهل مقاومة المحتل تعني عملا إرهابيا؟ إذا كان الأمر كذلك فهل يجوز إدانة الجنرال' شارل ديغول في عمليات المقاومة المفتوحة ضد النظام الموالي للنازيين في حكومة فيشي؟!، سيادة الرئيس إن قضية سجن جورج إبراهيم عبدالله يكتنفها الغموض ويحيطها الابتزاز السياسي، منذ أن ألقت عليه السلطات الفرنسية القبض في مدينة ليون في 24-10-1984 بمساعدة من الموساد كما تشير كثير من المعلومات، وكان مبرر الاعتقال' عدم حمله لأوراق ثبوتية مع أنه كان يحمل جوازا صحيحا من الجمهورية الجزائرية، ثم حكم عليه في 1986 بالسجن أربع سنوات على أساس حيازته على أسلحة ومتفجرات بطريقة غير مشروعة فإذا كان المسجون قابع في السجن فهل يعقل أن يحاكم بما لم تجدها السلطات الفرنسية لديه حينما اعتقلته؟!، ثم لماذا تراجعت الحكومة الفرنسية في تعهداتها بمبادلة جورج عبد الله بالفرنسي المختطف في لبنان جيل سيدني بيرول مدير المركز الثقافي الفرنسي بمدينة طرابلس اللبنانية؟.
سيادة الرئيس لا يمكننا سرد كل تفاصيل اعتقال جورج عبدالله، ولكن نبأ إلى علمنا أن هناك ضغوطا مارستها الولايات المتحدة على فرنسا في ملف جورج عبدالله؟ فهل يعقل أن تخضع' العدالة الفرنسية لضغوطات وإملاءات سياسية خارجية ؟ 
الحقيقة يا سيادة الرئيس أننا نجد أن هناك تناقضا في السياسة الفرنسية التي سبقتكم حيث تدخل الرئيس نيكولا' ساركوزي فيما يعرف (بالربيع العربي) وتدخل في ليبيا وكان يطالب بالتدخل الدولي لحماية المدنيين في سوريا، ولكن يا فخامة الرئيس الجمهورية الفرنسية تسجن مواطنا عربيا مدة 28 سنة ويرفض القضاء الفرنسي تبرئته، فهل هذه السياسة التي تقدمها فرنسا للعالم؟!.
يا سيادة الرئيس كنا قد أطلعنا على بعض المنشورات التي تصدرها الخارجية الفرنسية باللغة العربية وفيها أقوال المثقفين العرب الذين كتبوا عن فرنسا وأحبوا عاصمتها' باريس مثل رفاعة الطهطاوي في كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) أو (الديوان النفيس بإيوان باريس) الصادر سنة 1834م، وهذا الكتاب يعد البداية الأدبية لتجليات باريس، التي يصفها الطهطاوي بأنها (أحكم سائر بلاد الدنيا)، كما كتب أحمد فارس الشدياق عن باريس، ورأى فيها ما لم يره في بلده، الذي يعاني فيه الاضطهاد، والظلم السياسي والاجتماعي، وتحدث الشدياق عن باريس في كتابه (الساق على الساق فيما هو الفارياق)، كما تحدث عنها أيضا في كتاب آخر هو (كشف المخبأ عن فنون أوروبا) الذي نشر في تونس سنة 1867م، ومن ثم يأتي فتح الله المراش، وكتب عن باريس في كتابين هما (رحلة باريس) المطبوع 1867م، و(مشهد الأحوال) المطبوع سنة 1883م، وقد وصف محمد المويلحي باريس بأنها (المدينة الفاضلة، أم المدينة الكاملة، مهبط العمران والحضارة، ومظهر الزينة والنضارة، وموطن العز والمجد) كما كتب عنها أمير الشعراء أحمد شوقي، في قصائد وصفية الأولى عن باريس والثانية عن غابة بولون، نعم هذه هي باريس التي يقول عنها شاعر الرافدين (محمد مهدي الجواهري) في قصيدة نظمها سنة 1948 'تعاليت باريس أم النضال وأم الجمال وأم النغم، تذوب فوق الشفاه الألم وسال الفؤاد على كل فم'.
سيادة الرئيس كنا قد كتبنا إلى سعادة السفيرة الفرنسية في سلطنة عُمان رسالة مماثلة لا يختلف مضمونها عن هذه الرسالة، ونشرناها في جريدة الرؤية العمانية في بداية هذه السنة، ولكن للأسف لم يحدث أي تغيير في الموقف الفرنسي تجاه قضية الإنسان جورج إبراهيم عبد الله المعتقل لديكم منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ختاما نتأمل منكم يا سيادة الرئيس تحقيق الرخاء وكل ما يصبو إليه الشعب الفرنسي الذي أحسن اختياركم، كما نأمل منكم يا فخامة الرئيس أن تبادروا بإطلاق سراح المواطن جورج إبراهيم عبد الله، ولن ينسى لكم التاريخ هذا الموقف الإنساني الشجاع الذي يعيد الهيبة إلى القضاء الفرنسي ويبرئ السياسة الفرنسية من تبعية الولايات المتحدة، وتقبل منا فائق الاحترام والتقدير.

' كاتب من سلطنة عُمان

 

Publié dans الصحافة

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article